بسم الله الرحمن الرحيم
فها أنا ذا أستلم قلمي لأقيد الباب الأول من معالم هذا الكتاب المبارك فاتل ما أرقم لك زادك الله رشدا، وأنعم بك عينا. وإن أول ما سأسوقه بين يدى هذا الباب هو بعض التعاريف والمصطلحات ومعانى الكلمات التى ذكرت بين ثنايا هذا الكتاب مع إلقاء الضوء حول بعض أسماء وأوصاف القرآن العظيم وأقسام سوره، ثم أعرض بعض ما تميز به القرآن الكريم من خصائص، وأختم هذا الباب بلمحة تاريخية عن جمع القرآن ومنشأ القراءات، وكيف وصلنا المصحف الإمام. فأقول وبالله التوفيق.
ف
صل فى بعض التعاريف والمصطلحات الهامةالفقه: لغة: العلم بالشىء والفهم له، ولكن استعماله فى القرآن الكريم يرشد إلى أن المراد منه ليس مطلق العلم، بل دقة الفهم، ولطف الإدراك، ومعرفة غرض المتكلم.
اصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
*
الباب: لغة: ما يتوصّل منه إلى غيره، اصطلاحا: اسم الجملة مختصة من الكتاب مشتملة على فصول غالبا.
الفصل: لغة: الحاجز بين الشيئين، واصطلاحا: اسم لجملة مختصة من الباب مشتملة على فروع ومسائل غالبا
*
القرآن: لغة مصدر «قرأ» وتأتى بمعنى الجمع والضم ومنه سمى القرآن لأنه يجمع السور ويضمها.
واصطلاحا: هو كلام الله المعجز المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم المكتوب بالمصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته.
أسماء القرآن:
وقد سمّاه الله بأسماء كثيرة: منها (
القرآن) ... وهو فى قوله تعالى:
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ( الإسراء: 9) وفيه إشارة إلى جمعه وحفظه فى الصدور.
و (
الكتاب) ... وهو فى قوله تعالى:
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ (الأنبياء: 10.) وفيه إشارة إلى كتابته فى السطور.
و (
الفرقان) ... وهو فى قوله تعالى:
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (الفرقان: 1.) وذلك لكونه فرق بين الحق والباطل.
و (
الذكر) ... وهو فى قوله تعالى: إِ
نَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ( الحجر: 9.) وذلك لاشتماله على المواعظ وأخبار الأمم الماضية.
(
التنزيل) ... وهو فى قوله تعالى:
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (الشعراء: 192.) إلى غير ذلك مما ورد فى القرآن من أسماء.
*
أوصاف القرآن:
وقد وصفه الله بأوصاف كثيرة: منها أنه (
نور) ... وهو فى قوله تعالى:
قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ( النساء: 174.). وذلك لأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام.
وأنه (
مبين) ... وهو فى قوله تعالى:
قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (المائدة: 15.) وذلك لأنه أبان أى أظهر الحق من الباطل.
وأنه (
شفاء) ... وهو فى قوله تعالى:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ( الإسراء: 82.).
وأما الشفاء فلأنه يشفى من جميع الأدواء القلبية والبدنية فإذا أحسن العليل التداوى به لم يقاومه الداء أبدا.
وأنه (
هدى) ... وهو فى قوله تعالى: ذ
لِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة: 2.) وأما الهدى فلأن فيه الدلالة على الحق.
وأنه (
روح) ... وهو فى قوله تعالى:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا (الشورى: 52.) وأما الروح فلأنه تحيا به القلوب والأنفس، وكل تسمية أو وصف فهو باعتبار معنى من معانى القرآن .
*
أقسام القرآن:
بداية فإن الحكمة من تسوير القرآن سورا تحقيق كون السورة بمفردها معجزة وآية من آيات الله، ومنها أن القارئ لكتاب الله إذا ختم سورة يشعر أنه قد أخذ من
كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها فيعظم عنده ما حفظه ولا يخفى ما فى ذلك من التيسير ومن الحمل على التعليم.
وسور القرآن باعتبار ما سبق وأن أشرت إليه أربعة أقسام لكل قسم منها اسم وسوف أوجز أرجح الأقوال فيها .
1 -
السبع الطوال:
وهى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، والسابعة قيل الأنفال وبراءة معا لعدم الفصل بينهما بالبسملة، وقيل هى يونس.
2 -
المئون:
وهى التى تليها، وسميت بذلك لأن كل سورة تزيد على مائة آية أو ما يقاربها.
3 -
المثانى:
وهى التى آياتها أقل من مائة آية، وسميت بذلك لأنها تثنى فى القراءة وتكرر أكثر من الطوال والمئين.
4 -
المفصّل: «ويسمى أيضا بالمحكم».
وقيل بأن بدايته من سورة «ق» وقيل من بداية «الحجرات» ووجه تسميته بالمفصل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة.
والمفصّل ثلاثة أقسام: طوالة- أوساطه- قصاره.
فطواله إلى «عم»، وأوساطه إلى «الضحى»، ومنها إلى آخر القرآن قصاره، وهذا أقرب ما قيل فيه.
فائدة فى تقسيم المصحف وتجزئته:
قامت طائفة من العلماء فقسمت القرآن ثلاثين قسما وأطلقوا على كل قسم منها اسم الجزء، ثم قسموا الجزء إلى حزبين وقسموا الحزب إلى أربعة أقسام، كل قسم منها يسمى ربعا وجرى العمل على هذه الأقسام.
ولا شك أن هذا العمل فيه من التشويق والترغيب للقارئ ما يدفعه للاستزادة فى القراءة كلما علم أنه ختم ربعا دفعه إلى قراءة الربع الثانى حتى يتم جزءا، وهكذا.
وأما تعداد سور القرآن فإنه مائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد بهم، وقيل ثلاث عشرة بجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة، وثمّ أقوال أخر لا تعويل عليها.
وأما تعداد الآيات: فقد أفرده جماعة من القراء بالتصنيف وعدد الآيات توقيفى لا مجال للقياس فيه.
وعدد آيات القرآن ستة آلاف ومائتا آية وست وثلاثون وأطول آية فى القرآن هى آية الدّين وأطول سورة هى البقرة.
* فائدة: يترتب على معرفة الآى وعدها وفواصلها أحكام فقهية منها:
1 - اعتبارها فيمن جهل الفاتحة فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات فمن لم يستطع لعجز فى طبعه أو سوء فى فهمه فعليه التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ثم يركع .
2 - اعتبارها فى الخطبة عند من قال بوجوب قراءة آية كاملة فيها كالإمام الشافعى- رحمه الله- وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وهو الحق
3 - اعتبارها فى السورة التى تقرأ فى الصلاة وفى قيام الليل.
4 - اعتبارها فى الوقف كما سيأتى بيانه فى موضعه، والله الموفق للصواب.
وإلي هنا نكتفي بهذا القدر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته